الزملاء الكرام

بداية علينا ان نعترف بأن هذه الموازنة غير إصلاحية. بل هي تشغيلية بالحد الادنى، بلا انفاق استثماري يذكر، ولم تدرج فيها الكثير من النفقات لمجرد أننا نريد موازنة بلا عجز. وأرى في ذلك نوعاً من الهروب والمواربة غير المجدية. موازنة بلا عجز ولم تدرج فاتورة استيراد الفيول من العراق، والاعتماد على دعم مالي إلى الجيش اللبناني. نحن في حالة حرب، أين دعم أهلنا النازحين من منطقة الحرب؟ وأين هي خطة تمويل الطوارئ وغيرها؟

إن هذه الموازنة تخلو من أي إصلاح ضريبي حقيقي. إذ لا زالت الضرائب غير المباشرة هي الطاغية عليها، وقوامها جباية من عموم الناس بالرسوم الجمركية وضريبة القيمة المضافة والرسوم العقارية ورسوم أخرى… وعلى سبيل المثال الغاء الضريبة على ارباح تجار تضارب العملة التي قدرت بمليارين ونصف دولار.

إذن، النقاش الحقيقي هو في مكان آخر. علينا أن نسأل أنفسنا لماذا ندور في حلقة مفرغة منذ أكثر من 4 سنوات؟

الجواب هو أن الجميع متفق ضمناً على الهروب من تحمل مسؤولية الأزمة. وبالتالي تتأجل الحلول، وما من أحد يريد أن يتجرع هذه الكأس المرة.

لا يمكن أن يستقيم النقاش ليكون منتجاً إلا بما يلي:

–        أولاً، هل نريد مساءلة ومحاسبة؟ وكيف يجب تحديد المسؤوليات للمتورطين في أسباب هذه الأزمة؟ أم نبحث عن عفو عام عن الجرائم المالية كما حصل العفو العام في التسعينيات عن جرائم الحرب الاهلية؟

 لا شك في أن طريق المحاسبة هو الأفضل وإلا ستتكرر الأزمة بأوجه أخرى عاجلاً أم آجلاً.

–        ثانياً، علينا مصارحة المودعين بأن هذه القضية معقدة وشاقة وتتطلب تضحيات من مختلف الأطراف أي الدولة ومصرف لبنان والمصارف والمودعين، وحلها غير ممكن إلا على المدى البعيد. كفانا هروباً من هذه الحقيقة. لكن يمكن للمحاسبة أن تقصر المهلة وهذا يحتاج الى تدقيق في الودائع وتصنيفها بين مشروعة وغير مشروعة، مؤهلة وغير مؤهلة.

–        ثالثاً، ماذا نريد من القطاع المصرفي؟ بداية أؤكد أن لبنان لا يمكن أن يعيش بلا قطاع مصرفي لكن هذا القطاع لا يجب أن يستمر كما كان… فالقطاع المصرفي هام وأساسي للبنان ويجب أن يكون مندرجاً تحت نظام يمنع من تسلل الفوضى التي كانت سائدة في السنوات السابقة والتي أدت إلى الأزمة المشهودة. من هنا أسأل، لماذا هذا التأجيل المتكرر لإعداد مشروع قانون هيكلة القطاع؟ وما هي المحاسبة التي سيخضع لها ليس المصرفيون فحسب، بل يجب أن تخضع لها مختلف الأطراف المسوؤلة عن أزمة هذا القطاع مثل مصرف لبنان والجهات الرقابية ووزارة المالية وكل طرف مشارك في هذه الأزمة وأسبابها؟

وهنا، أود أن أسأل عن المشروع الذي تقدمت به فى 1-8-2023 برفع السرية المصرفية ولماذا لم تتم مناقشته حتى اليوم.

–        رابعاً، هل نحن بحاجة فعلاً الى مشروع قانون كابيتال كونترول؟ ام عفا الله عما مضى؟ المسألة مهمة جدا،ً وهذا القانون يحتاج الى قرار حاسم بعيد من مصالح أي طرف من الأطراف المعنية، وإلا فمصيره الفشل حتماً.

–        خامساً، ماذا عن سعر الصرف؟ هل نكرس تثبيته الحالي أم نتركه للتعويم على منصة بلومبيرغ كما يقترح مصرف لبنان؟ مع العلم أن تثبيت سعر الصرف يأتي على رأس أسباب الأزمة التي أدت الى خسائر تزيد على 72 مليار دولار.

–        سادساً، كفانا هروباً من توقيع  الإتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي هو حاجة وعامل ثقة للبنان،  ومن هنا أطرح  على الذين لا يرغبون بهذا الاتفاق، ما هي  خططكم البديلة  والقابلة للتنفيذ.

–        سابعاً، بالعودة الى الموازنة، صار واضحاً ان المشكلة في الإدارة العامة. وأرى انه بإمكاننا البدء بإعادة هيكلة المؤسسات مثل مؤسسة الكهرياء وغيرها من القطاعات وترشيد القطاع العام وتحجيمه، واعتماد المكننة وبالتأكيد التصدي للفساد المستشري.

–        ثامناً، علينا الاعتراف بأن النموذج الاقتصادي السابق سقط إلى غير رجعة. وهذا يفتح نقاش أي اقتصاد نريد وما هي الأدوات اللازمة لهذا النموذج الجديد الذي لا يمكن ان ينجح إلا ضمن إعادة تعريف دور لبنان في المنطقة والعالم.

باختصار علينا تغيير طريقة التفكير والتعاطي مع هذا الملف.